“بصيغة أخرى” سلسلة حلقات تنبش في حيوات شخصيات دينية،فنية، فكرية وسياسية لتقدمهم بصورة غير معتادة وتكشف جوانب خفية من سِيَرهم وقد تكشف عن خيط ناظم بين ماضيهم و حاضرنا..كل ذلك لغاية تزجية الوقت الرمضاني.
شمسي
كانت ماريتا الأمريكية ذات الأصول الألمانية ،في التاسعة عشر من العمر عندما حطت باخرة والدها السياحية بميناء جزيرة حمراء في بحر الكارايبي .. على الرصيف كان يقف رجل وأخوه وصديقه، ثلاثي واثق الخطوة يمشي مَلَكاً.. حياها أوسطهم تحية عادية وطلب منها أن ترافقه لأنه هنا لزيارة الباخرة التي ذاع صيتها..في نهاية الجولة طبع قبلة رقيقة على خدها شاكرا وافترقا..بعد مدة سيهاتفها ويطلب منها أن يلتقيا لأنها تركت لديه إنطباعا خاصا جعله يحس بالشوق لعينيها.
هكذا أصبحت ماريتا عشيقة الرجل الغريب، هو من كان في الواقع متزوجا..
طوال الوقت الذي كان يلاقيها فيه، تراه يتملى وجهه في المرآة ويمسد شعيرات لحيته المنتوفة، يدخن سيجارا و يخرج ليتبادل بين الفينة والأخرى بعض الهمس مع أخيه وصديقه التاريخي الشهير اللذان يقيمان في غرفة ملاصقة لغرفته الفندقية في سرية تامة.. كان يناديها “شمسي/ mon soleil” وهي تعشقه كمدينة ممنوعة لا يمكنها دخولها فتجلس في الضاحية.. ذات يوم وقد اقترب موعد وضعها للجنين الذي حملت به منه، قدم لها كأس حليب.. نامت طويلا، ولما استيقظت وجدت نفسها بمدينة نيويورك بعيدا عن ضاحية المدينة الممنوعة.. أخبروها بأن وعكة صحية داهمتها وأنهم حاولوا إنقاذها والجنين، لكنهم في النهاية أرغموا على لتضحية بالجنين.. لم تصدق تلك الرواية، وظلت تبكي لأيام طويلة وتحلم بإبنها الضائع وبالإنتقام من عشيقها المتغطرس الغارق في معاركه السياسية داخل دوامة الشرق والغرب والإشتراكية والرأسمالية والحصار..
عادت يوما في مهمة خاصة لاغتياله بعد أن تقربت منها أجهزة المخابرات الأمريكية وشحنتها ضده.. فطن أنها جاءت لتلك المهمة بالذات، أعطاها مسدسه وقال لها: هيا أطلقي النار.. لا أحد يستطيع قتلي أيتها الساقطة.. وكذلك كان.. لم يستطع أحد قتله، إلى أن مات بعد أن عَمَّر تسعين سنة وكتب تاريخ جزيرته وتاريخ رفاقه بمداد الفقر والعناد والنضال الفارغ..
أما هي، فقد تمكنت من لقاء إبنها بعد عشرين عاما وقد أصبح شابا يتابع دراسته بكلية الطب.. وستموت بعد رحيل الديكتاتور بثلاث سنوات.
في تجربتها الحياتية عرفت كم كان من العسير على غير المخلص l’infidéle أن يكون مخلصا fidèle.. تجربة دونتها في كتاب بعنوان” كنتُ الجاسوسة التي عشقت فيديل كاسترو”.
مريم الأزدي – رمضان 2024