الداكي: تطور الجريمة أبان عن قصور الآليات التقليدية للتعاون القضائي الدولي
أكد لحسن الداكي رئيس النيابة العامة، أن تطور الجريمة واستغلالها للتكنولوجيات الحديثة أبان عن قصور الآليات التقليدية للتعاون القضائي الدولي في الميدان الجنائي، كآلية تسليم المجرمين والإنابات القضائية الدولية، وإن كانت قد مكنت في وقت من الأوقات من تتبع الجناة واستجماع وسائل الإثبات المتواجدة خارج تراب الدولة صاحبة الاختصاص القضائي.
و أضاف الداكي في كلمة ألقتها بالنيابة عنه الأستاذة وفاء زويدي، رئيسة قطب التعاون القضائي الدولي وحقوق الإنسان برئاسة النيابة العامة، بمناسبة الدورة التكوينية المنعقدة بالرباط حول “آليات التعاون القضائي الدولي في مجال مكافحة الجرائم العابرة للحدود “، أن هذا القصور أبان أيضا عن “الحاجة إلى آليات حديثة للتعاون القضائي الدولي من شأنه تكريس مبدأ منع الإفلات من العقاب”.
و وعيا من المجتمع الدولي بهذه الأهمية، يضيف رئيس النيابة العامة، فقد عمل على تكريس آليتي فرق البحث المشتركة والاختراق في مجموعة من الاتفاقيات الدولية، كالمادتين 19و 20 من اتفاقية باليرمو لمكافحة الجريمة المنظمة لسنة 2000، والمادة 19 من اتفاقية بودابست لمكافحة الجريمة المعلوماتية لسنة 2003، وكذا المادتين 49 و50 من اتفاقية مكافحة الفساد الموقعة بنييورك سنة 2003، وكذا المادة 9 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية الموقعة بفيينا سنة 1988.
وأشار المسؤول القضائي إلى أن كل هذه الاتفاقيات تدعو الدول الأطراف إلى اتخاذ ما يلزم من تدابير لإتاحة الاستخدام المناسب لأساليب التحري الخاصة مثل الترصد والمراقبة والعمليات المستترة/ السرية لغرض مكافحة الجريمة المنظمة مكافحة فعالة، كما تشجع الدول الأطراف على إبرام اتفاقيات وترتيبات ملائمة من أجل استخدام تقنيات البحث الخاصة في سياق التعاون القضائي الدولي بغية التحري عن الجرائم وضبط مرتكبيها.
وأبرز أن المشرع المغربي مواكبة منه لهذا التوجه، وتفعيلا لالتزاماته التي يفرضها دستور بلادنا لسنة 2011، عمل على ملاءمة منظومته مع المقتضيات الواردة بها، حيث نجد أن مشروع قانون المسطرة الجنائية قام بالتنصيص على تنزيل هاتين الآليتين باعتبارهما أداتين للبحث الجنائي في الكتاب الأول ضمن الباب الثالث من القسم الثاني المعنون بتقنيات البحث الخاصة المواد من 1-3-82 إلى الى 6-3-82، وكذا باعتبارهما آليتين للتعاون القضائي الدولي في الميدان الجنائي ضمن الكتاب السابع الباب الأول مكرر من القسم الثاني المواد من 1-713 إلى 6-713 من نفس المشروع.
وأكد الداكي على أن الحديث عن إدخال الوسائل الحديثة للتعاون القضائي الدولي في الميدان الجنائي في قانون المسطرة الجنائية، هو حديث عن إدخال تعديل جاد وخطير في هذا القانون، لأن إعمال وسائل خاصة بالبحث والتحري كآليات جديدة رهين بوجود جرائم حديثة تعجز عن مكافحتها القواعد الإجرائية التقليدية، ومهما يكن فإننا نعتقد أن اللجوء إلى تنظيم هذه المقتضيات حماية للحقوق والحريات خير من عدم تنظيمها حماية لنفس الحقوق والحريات.
وأشار إلى أن موضوع الدورة التكوينية يتميز بتعدد الفاعلين المتدخلين فيه من مؤسسات قضائية وأمنية وإدارية، الأمر الذي يستلزم ربط علاقات متميزة مع كل المتدخلين في تفعيل هذه الآليات سواء كانت السلطات الحكومية أو السلطات الأمنية، وكذا الانفتاح على المؤسسات الدولية سواء الحكومية أو غير الحكومية المعنية بموضوع آليات التعاون القضائي الدولي في الميدان الجنائي.
ولتحقيق هذه الغاية، يضيف الذاكي فإن رئاسة النيابة العامة، أخدت على عاتقها اعتماد وتفعيل استراتيجية تواصلية ومقاربة منفتحة قوامها نسج علاقات متينة مع السلطات القضائية الأجنبية والمؤسسات والمنظمات الدولية الرسمية وغير الرسمية، والتي تعنى بموضوع العدالة والقانون، الأمر الذي يمكن من خلق روابط تخدم سياسة مكافحة الجريمة المنظمة والعابرة للحدود بكل أشكالها.
وفي هذا الإطار، يستطرد المسؤول القضائي، لابد من الإشارة، إلى أن مؤسسة النيابة العامة، من خلال رئاستها، باعتبارها جزء من السلطة القضائية قد عملت منذ تأسيسها بتاريخ 07 أكتوبر 2017 على استحضار الدور الذي يمكن أن تلعبه آليات التعاون القضائي الدولي في مكافحة الجريمة المنظمة، حيث دأبت مؤسسة رئاسة النيابة العامة على التنظيم –أحيانا- والمشاركة في عدة ندوات ومؤتمرات علمية وطنية ودولية تهم مجال التعاون القضائي في المجال الجنائي، والتي كانت مناسبة للتعرف على المستجدات والتجارب المقارنة في مجال آليات التعاون القضائي الدولي، كما عملت على إعداد مجموع من الدلائل العملية في مجال التعاون القضائي الدولي والتي يبقى من أبرزها الدليل العملي لمسطرة تسليم المجرمين والذي تم إعدادها بشراكة مع الاتحاد الأوروبي.
وأكد أن رئاسة النيابة العامة وفي إطار المواكبة الاستباقية لاعتماد وتنزيل مشروع قانون المسطرة الجنائية، عملت على إعداد هذه الدورة التكوينية تتبعها دورات تكوينية أخرى من شأنها أن توجه قضاة النيابة العامة إلى كيفية التعامل مستقبلا مع المساطر القضائية المفتوحة أمامهم والتي يمكن فيها اللجوء إلى استخدام آليات التعاون القضائي الدولي في الميدان الجنائي، ولاسيما الحديثة منها كآليتي فرق البحث المشتركة أو الاختراق.
ولفت الداكي أن هذه الدورة التكوينية تأتي من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف والتي يبقى أبرزها مواصلة تقريب قضاة النيابة العامة من التعرف على آليات لتعاون القضائي الدولي في المجال الجنائي، وكذا تحسيسهم -قضاة النيابة العامة- بدورها في مكافحة الجريمة بجميع أشكالها، ومعالجة بعض الحالات الخاصة التي تعجز الآليات التقليدية في التصدي لها حتى يتم ترسيخ مبدأ عدم الإفلات من العقاب.
وأشار إلى أن رئاسة النيابة العامة تأمل في أن تساهم هذه الدورة التكوينية في مساعدة قضاة النيابة العامة وباقي المتدخلين على التعرف على بعض الآليات التعاون القضائي في المجال الجنائي، وكذا الوقوف على تجارب الدول الرائدة في تفعيل وتطبيق الآليات الحديثة منها، وما يتبعها من إجراءات في معالجة هذا النوع من طلبات التعاون القضائي الدولي، و استلهام الممارسات القضائية الفضلى في هذا المجال، من خلال التعرف على العمل القضائي المقارن و توجه المحاكم الدولية بهذا الخصوص خاصة فيما يتعلق بملائمة هذه الآليات مع احترام حقوق الإنسان والحق في المحاكمة العادلة، كما تأمل في أن تساعد هذه الدورة في نشر الوعي العام بدور الآليات التعاون القضائي الدولي في مكافحة الجريمة العابرة للحدود إلى جانب الآليات الأخرى للتعاون القضائي الدولي والتي كانت موضوع الدورة التكوينية التي تنظيمها في السنوات الماضية، وكذا إغناء النقاش والخروج بتوصيات من شأنها تجويد النص القانوني الذي ما زال في طور الدراسة.