المنارةمراكش

أربيب يكتب: القهر الإجتماعي وفضيحة السردين.. الدولة تحمي الطبقة المتنفذة واللوبيات

الكل صار يتحدث عن ثمن السردين وحجم الأثمان الأسطورية التي يُباع بها. ببساطة، لأن مواطنًا بائعًا للسمك استطاع بفضل مواقع التواصل الاجتماعي تعرية واقع يعرفه الساسة وحكومة القهر الاجتماعي وكل الحكومات المتعاقبة والدولة نفسها. وقد تمكن هذا الشاب من حشد العديد من الأنصار حتى تحول ثمن السردين إلى قضية رأي عام.

لنوضح أولًا: أن بيع السمك بأسعار مرتفعة، ليس هو المادة الغذائية أو الخدماتية الوحيدة المرتفعة الثمن، وهذا معطى قائم. لماذا؟ أولًا: علينا أن نعرف أن الدولة أصبحت غير مهتمة إطلاقًا بالأسعار، بمبرر ليبرالية السوق وحرية المنافسة. ثانيًا: من يتحكم في السوق هو اللوبيات والمحتكرون والسماسرة والفلاحون الكبار وأصحاب رخص الصيد المصدرين. ثالثًا: في المجال الفلاحي، يتم تصدير العديد من المنتجات إلى دول الاتحاد الأوروبي بكميات وأثمان محددة حسب الاتفاقيات، وجميع أسعار المواد الفلاحية أقل من الأثمان التي تُباع بها في السوق الداخلي. كما أن الدول الأوروبية تفرض شروطًا علمية دقيقة.

ولتوضيح أكثر، فإن الثمن المرجعي للطماطم عند اقتنائها من الفلاح يتراوح بين 0.85 درهم ودرهم واحد، وهذا ما تحدده الشركات في تعاقدها مع الفلاحين الصغار. قد يكون هذا الثمن أعلى بالنسبة لفلاحين آخرين، لكنهم ليس لديهم القدرة على التصدير. أما بالنسبة للبصل، فهناك فلاحون صغار لم يقوموا بجني محصولهم هذا العام بسبب الانخفاض الحاد في ثمنه الذي لن يغطي حتى تكاليف الإنتاج. بالنسبة للبطاطس، الوضع لا يختلف. ورغم ذلك، الأثمان مرتفعة بسبب المضاربات والاحتكارات والسمسرة والفساد المستشري في دواليب السلطة.

إننا أمام دولة تُغذي وتحمي الكتلة الطبقية المتنفذة واللوبيات، وباختصار، “المافيا المخزنية”.

في مجال الصيد البحري، نعرف أن أسماك بلادنا تُباع في أوروبا بأثمان أقل من المغرب. ويكفي أن نعرف أن اتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي تتم بتكلفة ضعيفة وتضمن الاستغلال المكثف من طرف أوروبا. المسألة الأخرى هي أنه لا يتم احترام شروط وتقنيات الصيد للحفاظ على الثروة السمكية ودرجات توالدها، بل يتم اعتماد أساليب يمكن وصفها بأنها موغلة في الاستنزاف وتدمير الثروة السمكية، مثل استخدام شباك غير قانونية وتقنيات محظورة، حيث يتم تحويل الأسماك المصطادة إلى طعم، وهذا ممنوع.

إشارة أخرى: أغلب رخص الصيد في أعالي البحار تندرج ضمن دائرة الريع ولا يمكن إخضاعها للمراقبة.

الآن يتم الحديث عن السردين وثمنه المرتفع. أعتقد أن كل المنتجات الفلاحية والبحرية واللحوم الحمراء والبيضاء، أي “القفة”، ثمنها مرتفع بشكل غير موازٍ لدخل الفئات الوسطى، فما بالك بعامة الجماهير الكادحة والهشة والفقيرة؟

حينما نقول إننا أمام حكومة القهر الاجتماعي، فلا نعفي باقي المؤسسات من مسؤوليتها، وخاصة البرلمان الذي يشرع لمزيد من الليبرالية الموحشة والامتيازات لللوبيات. ولا نعفي أيضًا الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، سواء المشكلة للأغلبية أو المعارضة، من مسؤوليتها، لأنها على وعي ومعرفة بالمضاربات، لكنها تقبل بها من قبل المضاربين والملاكين العقاريين والفلاحين الكبار وأصحاب الرخص في البر والبحر والتصدير، وبعض دحاقنة الإعلام المزعومين، ومعهم بعض منظري الاستغلال والانفتاح. أقول، هم المرشحون المفضلون لكل الأحزاب في الانتخابات بكل مستوياتها. فقط الوعود الانتخابية المزيفة وغير الواقعية هي الموجهة للتزلف للشعب واستجداء أصواته.

منذ سنوات ونحن نعيش موجات الغلاء، وكل سنة تبرر الدولة عبر مؤسساتها إجراءاتها. وكل يوم ندين الغلاء واستمراره وتوغله. بل نقول إن السياسة الرسمية واختيارات الدولة تجهز على الأمن الغذائي والطاقي والصحي. وأضيف أن الحكومة تسير بالكادحين والمهمشين والفقراء والفلاحين والتجار الصغار والعمال في مختلف مواقع الإنتاج والخدمات، أقول تسير بهم حكومة القهر الاجتماعي إلى فقدان كل أشكال الأمن الاجتماعي والاقتصادي والبيئي.

واسترجاع الثقة لدى المواطنين في الخطاب الحكومي يبدو خارج دائرة الفاعل السياسي والمؤسسات، سواء التنفيذية أو التشريعية. ونجزم أن الخطابات التبريرية وبعض الحملات التي تستهدف إشهار الأسعار في محلات البيع بالتقسيط لن تصمد طويلا في التخفيف من غضب الكادحين على السياسة المعتمدة. ووجب مكافحة الأباطرة واللوبيات والمضاربين بشكل واضح ومباشر وبقوة القانون، إضافة إلى تحييد الحيتان السياسية الفاسدة المسؤولة عن هذه الأوضاع، سواء بحمايتها أو ضلوعها بشكل مباشر في هذه الممارسات التي تضرب في العمق كل كرامة المواطن وتجهز على حقوقه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية.

وهذا لا يمكن تحقيقه إلا في إطار دولة ديمقراطية ومؤسسات منبثقة بكل حرية ونزاهة من إرادة الشعب، وقوانين تركز على مساءلة كل من يخول له القانون صلاحية اتخاذ القرار وتدبير الشأن العام، سواء مركزيًا أو محليًا. وأقصد بالمساءلة، ليست البرلمانية كما يتم حاليًا، وإنما المساءلة البرلمانية المبنية على المراقبة الحقيقية، وأيضًا المساءلة القضائية مع تسهيل مساطرها وفتحها أمام المنظمات الحقوقية وأمام كل متضرر حُرم من حقه، بما في ذلك الحق في مستوى معيشي يضمن الحدود الدنيا من الكرامة.

عمر أربيب
مدافع عن حقوق الإنسان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى